لم أشاهد في صغري مسلسل "الشهد والدموع" لكاتبه الراحل أنور عكاشة.. ذات مساء كنت أشاهد إحدى فيديوهات السجال الدائر بين ثورة يناير ومن سرقوا الحلم منا.. فعثرت على إحدى حلقات المسلسل ، شدني إليه الاسم فتابعت أول حلقاته وظننت أني كالعادة سوف أشاهد بضع حلقات ثم أنتقل للحلقة الأخيرة لأعرف النهاية.. كباقي المسلسلات الّتي أشاهدها
إلا أنني وجدت أن حلقات المسلسل تشدني شدا ، تستدعي كل لحظة فيه واقع نعيشه منذ قبل يناير وبعدها بصورة أوضح ، المسلسل مليء بالشخصيات الّتي تستدعي أمامنا الطيبة.. وسوء التدبير الّذي يضييع أصحابه ، المكر والشر ، الطمع والغل ، الأمل في إيجاد حل ، الحلم بواقع أفضل
أبطال المسلسل.. زينب.. الفتاة البسيطة الّتي تحب ابن الوجيه الذي يعمل ابيها عند أبيه..ثم يتزوجها لكن لا أحد يقبل هذه الزيجة.. الكل يتربص بها
شوقي.. زوجها الرجل الضعيف قليل الحيلة..الّذي يقف أمام الشر حائر لا يستطيع صده .
والد زينب الحاج جعفر.. الّذي ظن أن حكمته المتناهية في التسامح ستحمي ابنته.. لكنها أضاعتها واضاعت ابنائها .
أحمد.. الابن الأكبر لشوقي وزينب الّذي يرى كل فصول القهر. فيتحول لشخص غير سوي.. ينتقم ممن مد له يد المحبة والعون.. ظنا منه أنه ينتقم من ظالمه..
الخلل الذي أصابه أصابه في ظني حين لم يقف أباه وجده في وجه شر عمه.. بل كانوا دوما يثنون أمه زينب عما تفكر فيه.. أو تقوله لهم عن شر حافظ..
لم يكونوا حتى يطرحون عليها خيار مغايرا لما تقترحه.. كانوا دوما ردة فعل لفعل حافظ وزوجته.. استسلامهم للشر من باب الصبر.. الصبر العاجز الأعوج.. خلق منه شخصا ظالم.. في ثوب مظلوم.. لم يفق حتى دمر من أخلصت له.
حافظ.. الاخ الظالم الذي لايرى من السعادة سوى جمع المال.. وعلى قدر تسلطه وتجبره أمام الست زينب وأبيها وأبناء أخيه.. يصبح كفأر أمام شر زوجته.. لأنه يعرف أنها تعرف قدر الشر الذي بداخله..
حسين.. الثورجي الذي يُصدم بالواقع.. فيتخلى عن حلمه..ومرحه ويفقد الثقة في التغيير..
حسين ذكرني بنا كثيرا نحن الثائرون على الظلم الذين ضاع أمام أعينهم الحلم .
ست "سنية.. الّتي صورها المسلسل على أنها امرأة مزواجة.. لكني رأيتها زوجة لم يستطع أيا من أزواجها أن يجعلها تشعر أنها زوجة.. ابتداءً برضوان الرجل الذي بعمر والدها.. ثم بزوج سارق فاسد.. ثم بزوج خائن.. ثم بزوج منشغل عنها بالسياسة ! حتى يتنبه الأخير إلى أنها تحتاج من يحتويها.. فيعد ابنها أنه سيطيب خاطرها.. ويثنيها عن طلبها الطلاق.. وينجح في هذا.. هذا الزوج الواعي نحتاج لمثله.. ليس في الأزواج فقط.. بل في العلم والسياسة.. شخص يشخص الداء ويصف الدواء .
دولت ونازلة.. اللاتي تحتقر كل منهما من دونها في جمع المال.. ويدعين أنهن نساء مصر. وسيدات المجتمع.. ثم تسعى كل واحدة منهن فرحة لإعفاء ابنها من الخدمة العسكرية!
الإعلام.. الي بيغسل دماغ الشعب متمثل في "حجازي" و"نجية" عبيد "البيه والست" الي سرقوا عواطف ولاد سنية.. بالزن والتزوير وتشجيع أسيادهم .
مختار.. الجاحد الذي حجر على أبيه.. متبرع دائما ليخطط للشر ظنا منه أن هذا سيجعله مقربا من صديق دربه في الشر ..النفوس الدنيئة الّتي تبحث عن قيمتها في قهر نفوس غيرها .
القطيع.. الّذي يكيد للأحرار ويساند السلطة بلا مقابل كثيرا من الأحيان! المخبر البلطجي.. الحالم المنعزل .
كل ما رأيناه بوضوح شديد بعد ثورة يناير رآه أحمد عكاشة منذ أكثر من عشرين عاما .
أخيرا حكمة المسلسل نطق بها حسين "شوقي " في آخر المسلسل: "الكل لما يتكسر الجزء ميتعدلش لكن الكل لما يتعدل كله يبقى تمام"
عبوده لما بيقولوا ننسى الماضي قاله غلط.. الي ملهوش ماضي ملهوش مستقبل .
تفتكروا بقى مصر ممكن تسعنا كلنا زي بيت الست زينب ما وسع الكل.. ماعدا رؤوس الفساد طبعا .